02/09/2023 - 19:06

"مراوح الجولان.. تجدد الأعمال سيشعل الأوضاع مجددا بين الدروز"

د. خيزران: "قضية ’التوربينات’ هي القشة التي قسمت ظهر البعير وما زالت قابلة لأن تكون كذلك إذا ما تجدد العمل على إقامتها، ومن الممكن أيضا أن تشكل أية قشة أخرى سببا للانفجار طالما عوامله التي تحدثنا عنها قائمة".

(Gettyimages)

كان لافتا التضامن الفاعل للمواطنين الدروز في الجليل التحاما مع أهالي هضبة الجولان السوري المحتل، في قضية الاحتجاجات على إقامة "توربينات" الرياح على أراضيهم، والذي تطور إلى إغلاق شوارع رئيسة وحرق إطارات وكاد أن يؤدي ذلك إلى أزمة حقيقية مع المؤسسة الإسرائيلية.

وتجددت التحذيرات الأمنية من اشتعال الأوضاع في صفوف الطائفة الدرزية مع اقتراب استئناف الأعمال في إنشاء "توربينات" الرياح في الجولان السوري المحتل، إذ نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية تخوفات صدرت عن رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي من حالة الغليان المتراكمة بين المواطنين الدروز وإمكانية أن تؤدي إلى صدام شامل مع المؤسسة الإسرائيلية، قد تشعله مواجهة عينية على مخطط "التوربينات" في الجولان أو حول هدم منزل في إحدى قرى الجليل.

وعرض رئيسا "الشاباك" والجيش الإسرائيلي أمام المستوى السياسي في أكثر من مناسبة خطر انفجار الأوضاع، في حين تسود الخشية في الجيش الإسرائيلي من تراجع محفزات التجنيد للجيش بين الدروز الذين ما زالوا وفق هذين المسؤولين "يشكلون إسهاما كبيرا في الوحدات المقاتلة وفي ’أمان’ (شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية) والأذرع الأمنية المختلفة".

ويعزو هذان المسؤولان حالة الغليان في صفوف أبناء الطائفة الدرزية إلى عدة عوامل متراكمة تتعلق بالتمييز الممارس ضدهم كجزء من الأقلية العربية الفلسطينية في البلاد رغم أنهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وفي وقت شكل قانون القومية "إدارة ظهر" من قبل المؤسسة الإسرائيلية للدروز واعتبروه صفعة مدوية، سيما وأن قانون كامينتس وقضية الأرض وهدم المنازل يشكل بالنسبة لهم هاجسا يوميا، هذا إلى جانب قضايا الجريمة التي فجرتها الجريمة الرباعية التي وقعت مؤخرا في أبو سنان، وكلها قضايا تشحن مفاعيل الانفجار المنتظر.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" المحاضر في العلوم السياسية، د. يسري خيزران، حول الموضوع.

"عرب 48": ما مدى جدية التحذيرات التي توجهها المصادر الأمنية من احتمال اشتعال الأوضاع بين أوساط الدروز داخل إسرائيل وما هي العوامل التي من أجلها أن تؤدي إلى هذا الانفجار؟

د. يسري خيزران

خيزران: كان واضحا من انضمام المواطنين الدروز داخل إسرائيل لاحتجاج أهالي الجولان، رغم عدم التقليل من شأن التضامن بحد ذاته، وجود عوامل داخلية محركة دفعتهم للخروج بمثل هذه الهبة.

وفي قراءتي فإن أهم حدث هو مسألة أوامر الهدم والغرامات التي تفرض على ما تسميه الدولة بالبناء غير المرخص والتي بلغت أرقاما خيالية تتراوح بين 300 إلى 600 ألف شيكل، خصوصا في الكرمل (عسفيا ودالية الكرمل)، وحسب رأيي هذا هو محور الصدام القادم (قضية الأرض والبناء) لأن هذه القضية تجر عموما إلى هجرة عربية إلى المدن الإسرائيلية وهو ما يشكل بؤر توتر مستقبلية. هذه المسألة تشكل أهم مسألة تمس العرب بما فيهم الدروز في المسائل الحياتية اليومية الملحة.

"عرب 48": من الواضح أن الدولة تتعامل مع الدروز كعرب في هذه المسألة ومسائل أخرى، أو ربما في جميع المسائل المرتبطة بالحقوق وخصوصا في قضايا الأرض والبناء؟

خيزران: صحيح، تفاقم هذه المسائل يضع العلاقة بين الطرفين تسير على حبل دقيق وهذا ما يستدل من خطاب الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في البلاد، الشيخ موفق طريف، والذي برأيي الأكثر حدة في تاريخ العلاقة بين الدروز ودولة إسرائيل منذ عام 1948.

إنه تحذير خطير جدا صادر عن أعلى هيئة روحية تمثيلية للدروز في البلاد وهي هيئة تتمتع بعلاقات مفتوحة مع الدولة، وإطلاقه إنما يعكس عمق الأزمة الحاصلة بين الطرفين، وباعتقادي فإن العامل الأول لهذه الأزمة هو قضية الأرض والبناء، والعامل الثاني هو قانون القومية الذي مس بفئة الضباط عند الدروز وهي أكثر فئة تعتبر نفسها "مندمجة" في المحيط الإسرائيلي، إذ جاء قانون القومية عام 2018 ليضع حدا لهذا التهيؤ حول الاندماج.

موضوع عصابات الإجرام هو الآخر يثير القلق ولكن قانون القومية وقانون كامينتس هما أكثر ما يمس ويقلق الدروز، أسوة بباقي العرب.

"عرب 48": ربما من الجيد أن تقوم الدولة بتذكير الدروز أو فئات منهم، كلما نسوا أنهم عربا، فهي لا تعطيهم الأفضلية الممنوحة لليهود فقط في قضايا الأرض والبناء ولا حتى في قضايا مكافحة الجريمة؟

خيزران: أكثر من ذلك يمكن القول إن هناك تصور لدى فئة الضباط المتقاعدين بأن الخدمة في الجيش الإسرائيلي تخلق واقعا جديدا، إلا أن القناعات تتزايد بأن الانخراط في الجيش في الحالة الدرزية لا ينعكس على تعامل المؤسسات المدنية للدولة، وهذا يولد لدى هؤلاء شعورا عميقا بالإحباط.

"عرب 48": ربما قانون القومية جاء لينسف مثل هذه الأوهام التي كوّنها البعض في خيالاتهم ويؤكد أن هذه الدولة لليهود فقط؟

خيزران: صحيح وهو أهم العوامل التي سببت هذا الإحباط، والآن يجري إعداد قانون أصعب، هو "قانون الصهيونية" سيما وأنه يثير الكثير من التخوفات لأنه سيكون بمثابة تطبيق لقانون القومية.

"عرب 48": كان لافتا هذه المرة موضوع التضامن القوي مع الجولان في قضية "التوربينات" والذي أكد الرابط الديني رغم التنافر السياسي بين الطرفين؟

خيزران: هناك شيء جديد بالنسبة للجولان أنه لأول مرة في المظاهرات التي جرت هناك لم ترفع الأعلام السورية، وهذا انعكاس لتطور حاصل في الجولان في أعقاب الثورة السورية، وبمفهوم معين فإن عدم رفع الأعلام السورية في المظاهرات هو أمر مقصود.

"عرب 48": ما تريد أن تقوله إن الثورة السورية أضعفت الرابط القومي وعمقت الرابط الديني عند أهالي الجولان؟

خيزران: ليس هذا ما قصدته، ولكن بسبب الأوضاع في سورية وفي العالم العربي عموما فإن العرب في إسرائيل وأهالي الجولان أيضا صاروا يؤكدون على القضايا المدنية وليس على المسائل الهوياتية، وهذا يفسر لماذا خرج الدروز في إسرائيل للتضامن مع الدروز في الجولان، لأن موضوع الاحتجاج يقع في إطار ما هو مجمع عليه إسرائيليا.

وفي هذا السياق فإن تحذير رئيس "الشاباك" والخطاب الذي صدر عن الشيخ موفق طريف كان محاولة لاحتواء حالة الغليان تلك، علما أن قضية "التوربينات" هي القشة التي قسمت ظهر البعير وما زالت قابلة لأن تكون كذلك إذا ما تجدد العمل على إقامتها، ومن الممكن أيضا أن تشكل أية قشة أخرى سببا للانفجار طالما عوامله التي تحدثنا عنها قائمة.

وإذا لاحظت في الفترة الأخيرة هناك مظاهرات داخل سورية وتحديدا في السويداء وأيضا فيها رفعت الأعلام الدرزية دون الأعلام السورية.

"عرب 48": في مظاهرات الجولان رفعت الأعلام الدرزية؟

خيزران: نعم، لم يرفع فيها أي علم سوري وذلك لأول مرة منذ عام 1981.

"عرب 48": هذا لأن العلم السوري لم يعد موحدا بسبب الانقسام حول ما يجري داخل سورية والذي جر إلى انقسام حول العلم أيضا، وهو انقسام انسحب على أهالي الجولان، وأرادوا تحييده عن القضية المشتركة المتمثلة بمخططات الاحتلال الإسرائيلي؟

خيزران: أهالي الجولان أرادوا إضفاء الطابع المدني على احتجاجاتهم وتحييد الطابع القومي السياسي لأنه يمكن أن يؤدي إلى صدام أكبر مع الدولة.

"عرب 48": لكنهم في حالات سابقة رفعوا العلم السوري ولم يلتفتوا إلى أن ذلك سيؤدي إلى صدام مع إسرائيل؟

خيزران: عندها كانت الدولة السورية حاضرة وحاضنة تسوق منتوجاتهم الزراعية وتعلم طلابهم في جامعاتها وتؤكد على وطنيتهم، وهذا غير قائم اليوم في ظل غياب شبه كامل للدولة السورية الحاضنة وهو ما يضعف الانتماء القومي ولا يلغيه.

ما يحصل اليوم هو عملية إعادة فرز للأولويات، وهو بالضبط ما يحصل بالمجتمع العربي في إسرائيل الذي واجه سؤال التأكيد على الهوية والتمسك بها أم تسيير الأمور المدنية وتدبيرها، من خلال توظيف الهوية المدنية دون وضع الهوية الفلسطينية كعامل صدامي مع الحالة المدنية.

وفي هذا السياق يقع خطاب القائمة العربية الموحدة، وهو التأكيد على المسائل المدنية في السياق والحيز المدني الإسرائيلي لتجاوز الصدام مع الدولة وتحصيل ما يمكن تحصيله.

"عرب 48": عموما الخطاب المدني الذي تتحدث عنه طغى على خطاب القائمة المشتركة منذ تأسيسها وإن لم يتخل نهائيا عن الأفق الوطني الذي تنازل عنه منصور عباس؟

خيزران: أنا اقصد ما حدث من فك ارتباط ما بين المدني والوطني والذي كان يتجسد دائما في ربط القضايا المدنية بالهوية السياسية ومسألة الصراع القائم.

التعليقات